أكاد أجزم أنه لم تورثني قصيدة قط تساؤلا ودهشة منذ قرأت الشعر مثل ما أورثتنيه قصيدة نزار: حديثك سجادة فارسية! وأصدقكم القول بأن تساؤلي لم يكن عن جمال هذه المعشوقة التي تغزل فيها شاعر الجن والإنس، ولكنه الفضول عن جمال حديثها، وكيف يكون، وما سر هذه السجادة الفارسية التي شبهها الشاعر بحديث محبوبته أو شبه حديث محبوبته بها، مدركا قلة معرفتي بالسجاد، فلقد نشأت في بيت ليس فيه من الرياش إلا البسيط، فضلا عن السجاد الفارسي الذي لم أسمع عنه إلا في قصور ألف ليلة وليلة.
وهذا التساؤل الذي ورثته تمكن مني حتى أصبحت أبحث وأقرأ ليس في الشعر الذي غرس هذا التساؤل، ولكن في صناعة السجاد وتاريخها ومدارسها، حتى صار بوسعي أن أدعي بأني أعرف شيئا عنه يستغرب له بائعو السجاد عندما أدخل معهم في نقاش حول فنيات هذه الصناعة وأسرارها خلافا لكثير من عملائهم.
ومنذ أشهر قررت أن أهدي صديقا ولم أجد للمناسبة أفضل من سجادة حريرية وضعت لها ميزانية كان قد تجاوزها السعر في السوق كثيرا، ورافقني في مهمة البحث عنها كثير من الأصدقاء، وكنا نتفق في بحثنا عنها مع البائع على الشكل والمقاس ونفترق عند السعر.
ودام الحال أشهرا حتى نشر صديقي بيتر على صفحته عن تجربته لزيارة سوق السجاد في شارع المخزومي بجنوب جدة (وهو الفنان التشكيلي المدرس من جنوب أفريقيا والذي يعمل في مدرسة خاصة بجدة منذ ثلاث سنوات).
طلبت منه أن يرافقني صباح السبت وكان قد تعرف على المكان وعلى أصحاب متاجر السجاد هناك وزارهم مرات عديدة مع زملاء من جنسيته بغرض الفرجة والتصوير.
وعند وصولنا المتجر الأول في السوق أخذنا نطلب من البائع الأفغاني شيراز أن يعرض لنا ما لديه، ولكن لاحظت عليه الضيق بنا ومن نبرة صوته وهو يحدث الذين كانوا معه في متجره بلغته.
وأكد لي شيراز حدسي بأن التفت قائلا بعربية مكسرة: أرجو أن تترجم لمرافقك (الخواجة) كما أسماه بأننا نعرف أنكم لن تشتروا شيئا وإنما جئتم للفرجة والتصوير.
أكدت لشيراز بأني جاد في الشراء وخاصة عندما وقعت عيني على ما أريد، ولكن فاجأني بالسعر الذي سمعته في السوق من قبل والذي تجاوز ميزانيتي للهدية، وكنت قد وضعت لها ما يقل عن ثلث سعرها في المتجر.
إلا أنني سررت عندما قال شيراز البائع بنبرة فيها شيء من التحدي إن كنت جادا ادفع حتى هذا المبلغ (يقصد ما عرضت عليه)، فأمسكت بيده مؤكدا رغبتي وقلت أعطني مهلة حتى صباح الغد، هز رأسه مؤكدا شكوكه في جديتي.
وأردف قائلا والله لم أكن لأوافق على هذا السعر لولا أني أعرف أنكم لن تشتروها ولكن غدا وخير.
وفي صباح الغد أدركت مراوغته للتخلص من البيع عندما طلب مني مئتي ريال أجرة التوصيل والتي قبلتها دون نقاش، متذكرا الأشهر التي مضت وقد أتعبني سوق السجاد الذي زرت معظم متاجره دون أن أعود ومعي ما أريد بسبب المبلغ الذي رصدته لهذه الهدية.
شكر الله مسعى شيراز الذي أوصلها إلى بيتي على مضض في الصباح، والشكر لصديقي بيتر والذي لولا الله ثم ضجر البائع من كثرة تردده مع أصدقائه على متجره دون فائدة سوى ومضات الفلاش وكثرة الأسئلة لما تحداني في الشراء، وبنفس السعر الذي عرضته.
أحمد الله أني فزت بفضله بسجادة رائعة قد تفوق جمال حديث من عشقها نزار وأثار تشبيهه حديثها في نفسي عشقا لا يبرأ بهذه التحفة النادرة
